وُلد الامام الحسين بن علي (عليهما السلام) في 3 شعبان سنة 4 هجرية وقد استبشر رسول الله (صلى الله عليه وأله) بولادته، وانطلق إلى بيت ابنته فاطمة ليبارك لها الوليد. أذّن جدّه النبي (صلى الله عليه وآله) في أذنه اليمنى، وأقام في أذنه اليسرى، وسمّاه " حسيناً. " وفي اليوم السابع لولادته عقَّ عنه أبوه علي (عليه السلام)، ووزّع لحم عقيقته على الفقراء والمساكين. كان النبي الاعظم محمد (صلى الله عليه وآله) يحب حفيده الحسين (عليه السلام) حبا جما وكان دائما ما يقبله من نحره.
إن واقعة كربلاء المأساوية المحفورة في ضمير كل مسلم مؤمن تستمد أهميتها من أمرين أساسيين:
الامر الاول: إيمان الإمام صلوات الله عليه القوي بالله سبحانه وتعالى، ذلك الإيمان الذي كان الحافز والأساس للإمام في خوض معركة كربلاء التي استُدرج إليها واستُفرد وغُدر به فيها.
الأمر الثاني: يتمثل في تلك الوحشية التي تجسّدت في قتل الإمام صلوات الله عليه والتمثيل بجسده الطاهر والتي كان السعي وراء السلطة واستلابها الحافز الوحيد للذين استباحوا دمه الطاهر.
كانت معركة الطف في كربلاء معركة بين أعلى درجات الطهارة والصدق والإيمان بالله متمثلة بالامام الحسين عليه السلام ، وبين أدنى درجات الجحود والتنكّر للشرعية والانتهاك للمقدسات وفي مقدمتها وحدة المسلمين متمثلة بالطرف المقابل للامام الحسين وهو جيش يزيد الاموي مع ذلك، فانه خلافاً لكل معارك التاريخ فإن المنتصر في معركة الطف خرج منها مهزوماً والضحية خرج منتصراً مخلدا على مر العصور واضحى رمزا للاحرار يكرس انتصاره جيلاً بعد جيل جميع المؤمنين بالله وبرسوله وبرسالته في مشارق الأرض ومغاربها وحتى قيام الساعة بل ويكرّسه جميع المؤمنين بالعدالة والحق في العالم.
أن المهزوم في معركة الطف لم يكن وحدة الأمة الإسلامية ويجب أن لا يكون كان المهزوم هو الخارج على هذه الوحدة والمتنكر لشرعيتها من هنا فإن الانتصار للإمام الحسين عليه السلام اليوم، والانتصار له في الغد، يكون بالانتصار لوحدة الأمة و لشرعها ولشرعيتها. ويكون بالترفّع عن الانقسامات والتنافرات المذهبية. لقد انتصر المظلوم المستفرَد لأنه كان على حق وانتصاره لم يتكرس في المعركة، ولا في استرجاعه الحكم والخلافة، وإنما تكرّس في ضمائر المؤمنين وأفئدتهم وفي ثقافتهم الدينية فتحوّل الامام الحسين عليه السلام بثورته الإستشهادية الخالدة إلى قدوة والى مَثلٍ أعلى في الوفاء لما جاء به جده صلى الله عليه وآله، وفي السير على النهج الذي رسمه في الرسالة السماوية التي حملها إلى الناس أجمعين.
ولذلك فإن ذكرى استشهاده تشكل، ويجب أن تشكل، مناسبة لترسيخ الوحدة الإسلامية على قاعدتي الالتزام بهذه الرسالة وبمحبة آل بيت رسول الله عليهم الصلاة والسلام ولكن لا استفراد بالالتزام، ولا استفراد بالمحبة. ولا استفراد بالوفاء فالمسلمون جميعاً ملتزمون بالرسالة وبمحبة آل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وبالوفاء للهدف الأسمى والأنبل الذي استشهد الإمام الحسين عليه السلام من أجله وفي سبيله ذلك أن الإمام الحسين عليه السلام ما خاض المعركة من اجل فئة من المسلمين، إنما خاضها وضحّى بحياته من اجل الإسلام ديناً وعقيدة ورسالة ونهجاً وتالياً من اجل المسلمين جميعاً.
أن إعادة قراءة أسباب ونتائج المحنة الإسلامية الكبرى انطلاقاً من الثوابت الإيمانية الواحدة هي اليوم اشد ضرورة من أي وقت مضى في تاريخ المحن المتلاحقة التي عصفت والتي تعصف بالمسلمين في مشارق الأرض ومغاربها. فالاجتهاد الفقهي ليس انقساماً دينياً ولا عنصرياً. وليس صراعاً سياسياً ولا قبلياً. والذين يعملون على شق صف الأمة لا ينتصرون لفريق على آخر إنما يعملون على تجزئة الأمة إلى فرقاء استضعافاً لها وتنكيلاً بها، وتعطيلاً لدور الإسلام كرسالة محبة وسلام للعالم أجمع.
وهو صراع لا يختلف اثنان حول وحشية الجريمة المُدانة التي ارتُكبت، ولا حول عدالة القضية التي كان الإمام الشهيد يدافع عنها.
إننا نحتاج اليوم إلى الوحدة وليس إلى الخلاف. لنترك الحكم لله: "الله يحكم بينكم يوم القيامة في ما كنتم فيه تختلفون" (الحج ـ 69). ولنكفّ عن محاكمة بعضنا بعضاً. ولنتوقف عن ممارسة دور لا حق لنا به أساساً وهو دور الديّان الذي يحكم على الناس بالكفر أو بالإيمان، فكيف يعقل أن يُتهم بالكفر من يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبد الله ورسوله. ولنتصرف كبشر خطائين مستغفرين تائبين لله وحده، ولنعمل بقوله عزّ وجلّ: "ثم إليّ مرجعكم فأحكم بينكم في ما كنتم فيه تختلفون" (آل عمران ـ 55). لنرتفع في توادّنا وتراحمنا إلى مستوى المؤمنين المتكاملين في جسد واحد. لنتوّج شهادة الحسين بالوحدة التي استشهد في سبيلها. فلنعمل معاً من أجل الوحدة والتضامن على قاعدة الاعتصام بحبل الله والإقتداء بسنّة نبيّه وبسيرة سيد الشهداء وإمامهم الإمام الحسين عليه السلام.
بالأمس حورب الإمام الحسين (ع) وقتل هو وأولاده وأصحابه وأنصاره في كربلاء وقطع رأسه الشريف وداست الخيول على صدره حتى هشمته.. وهو ابن نبي هذه الأمة محمد المصطفى وابن الوصي علي المرتضى وابن السيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام) فبالأمس أحرقت خيام الحسين (ع) وسلبت وسبيت نساءه..
أقول..
مادامت روح سيد الأحرار وأبا الثوار أبا عبد الله الحسين (ع) تتجلى فينا كأمة أخذت على نفسها العهد بالتضحية والفداء لنصرة الحق وقد استقت مبادئها وقيمها ومفاهيمها من معين النهضة الحسينية الخالدة ونرفع أيدينا باتجاه كربلاء ونردد آيات السلام والنصرة للشهيد« لبيك يا حسين » حسيننا الذي كان يقول ذات يوم: « إني لا أرى الموت إلا سعادة والحياة مع الظالمين إلا برما ».
أيها المسلمون السائرون على درب ابي الاحرار الامام الحسين (ع) لا بد لكم أن تعلنوا الحج مع الامام الحسين (ع) في عاشوراء المحرم بكل جارحة فيكم فأنتم تتوجهون إلى مجلسه (ع) لتستمعون إلى دروس ومعطيات نهضته العالمية التي تحدثت ومازالت تتحدث عنها كل الديانات السماوية وتترجم معناها ومعنى خلود الانتصار بالدم.. وسيبقى صوت الحسين هادرا على مدى الدهور وصرخته مدوية في وجه كل ظالم وطاغية ( هيهات منا الذلة)